ديفاياني كلارك
يوليو 2025
5 دقائق قراءة
في الشرق الأوسط، تُعدّ الصحة النفسية جرحًا صامتًا. تتوارى خلف الأبواب المغلقة، تختبئ في ظلال الخجل، ويُساء فهمها ضمن تقاليد صامتة؛ خاصة على النساء، وعلى الشباب.
فالعلاج النفسي يُنظر إليه على أنه غريب، ضعيف، بل وحتى محرَّم. لطالما شهد قطاع الصحة النفسية في المنطقة تأخرًا في التطوير، بجانب قلة المتخصصين، وضعف الموارد المالية، وارتباطه بوصمة اجتماعية واسعة الانتشار. يظل الاعتقاد شائعًا بين كثيرين بأن المرض النفسي يمثل ضعفًا شخصيًا أو فشلًا روحيًا، وليس حالة طبية أو نفسية (منظمة الصحة العالمية، 2022). وغالبًا ما يُعتبر اللجوء إلى العلاج النفسي مؤشرًا على ضعف الإيمان أو خيانة للروابط العائلية. ونتيجة لذلك، تستمر معاناة عدد هائل من الأشخاص في صمت (Gearing et al., 2015). ورغم هذا الصمت الذي يمتد عبر الأجيال، إلا أنّ أصواتًا جديدة بدأت في الارتفاع. وفي طليعتها ثلاث نساء استثنائيات: خولة حمد، لمى بشمي، والدكتورة صالحة أفريدي.
تتعامل كل منهن مع أزمة الصحة النفسية في المنطقة من منظور مختلف، لكن يجمعهن هدف مشترك: خلق مجتمع تُقبل فيه الصحة النفسية وتُدعَم بشكل حقيقي.
ابتكرت خولة حمد مساحة تتيح للناس التعبير بحرية. حيث أسست منصة “تكلّم”، وهي منصة رقمية تقدم جلسات علاج نفسي خاصة تراعي الجوانب الثقافية ومتاحة باللغة العربية. تهدف المنصة إلى جعل خدمات الصحة النفسية أكثر سهولة لأولئك الذين طالما حُرموا منها.
وصرحت خولة حمد: “منصة تكلّم جاءت نتيجة تجربة شخصية عانيت فيها من صعوبة الوصول إلى خدمات الصحة النفسية،” “بدأت رحلتي بتجربة شخصية أبرزت الحاجة إلى خدمات صحية نفسية سهلة الوصول وتراعي الجوانب الثقافية” (حمد، 2023).
لاحظت خولة محدودية الخيارات المتاحة للمتحدثين بالعربية الباحثين عن الدعم. وعلى الرغم من تجاوز حاجز اللغة في بعض الحالات، ظل العديد من المعالجين غير مدركين للبعد العاطفي والثقافي لعملائهم. كانت خولة مصممة على تغيير هذا الواقع.
منصة “تكلّم” تربط المستخدمين بمعالجين مرخّصين يفهمون لغتهم وعمق ثقافتهم. توفر المنصة رعاية نفسية سرية وبأسعار معقولة، لتكون موجودة حينما يحتاج الناس إليها، ليس فقط عبر الشاشات، بل أيضًا من ناحية الاستعداد النفسي.
محادثة تلو الأخرى، تقترب خولة من هدفها: جعل العلاج النفسي واقعًا مألوفًا، بعيدًا عن الخجل والسرية.
تعمل لمى بشمي على تطوير مقاربات للصحة النفسية مبنية على البحث العلمي ومتجذرة في الثقافة المحلية. وبصفتها باحثة فلبرايت ومرشحة لنيل درجة الدكتوراه في جامعة كامبريدج، تكرّس بشمي جهودها لتعزيز رفاه اللاجئين السوريين والفلسطينيين المقيمين في لبنان والأردن، فهذه الفئات غالبًا ما تُهمش في أبحاث وخدمات الصحة النفسية العالمية.
وصرحت لمى قائلة: “حان الوقت لنتوقف عن تصدير نماذج علاجية غربية دون أن نفهم عمق حياة الأشخاص الذين نحاول مساعدتهم” (بشمي، 2023).
يركز عمل لمى على دراسة كيفية ظهور الصدمات النفسية بين السكان العرب، ويؤكد على أن مسار التعافي يجب أن يتماشى مع الأبعاد العاطفية والروحية والثقافية لحياتهم. كما تركّز على تكييف إطار “IC ADAPT”، الذي يمزج بين الأساليب المبنية على الأدلة والسياق الثقافي، لتقديم دعم أكثر فعالية للمجتمعات العربية المتضررة من النزوح.
بدأت أبحاث لمى بالفعل في إعادة صياغة المفاهيم والممارسات المتعلقة بالصحة النفسية للاجئين. ويُسهم ذلك في تعزيز الأدلة المتزايدة التي تُظهر التباين الكبير بين النماذج التقليدية للعلاج وتجارب الحياة الواقعية للأشخاص الذين تهدف هذه النماذج إلى مساعدتهم. كما تسلط نتائجها الضوء على الحاجة الملحة لإعادة صياغة السياسات والخدمات بما يتوافق مع السياق الثقافي، ما يمهد الطريق نحو إصلاحات فعّالة وذات تأثير حقيقي.
من خلال الجمع بين الصرامة العلمية والتعاطف الثقافي، تساهم لمى في بناء نماذج جديدة للرعاية تعكس الواقع العربي وتعيد تعريف معنى التعافي للمجتمعات النازحة.
لأكثر من عقد من الزمن، أعادت الدكتورة صالحة أفريدي تشكيل فهم المجتمع الإماراتي للصحة النفسية وطرق التعامل معها. بصفتها مؤسسة مركز “ذا لايتهاوس آربيا”، أحد أبرز مراكز الصحة النفسية في دبي، تركز أفريدي على التدخل المبكر والتعليم العاطفي، بالإضافة إلى الوقاية من المشكلات النفسية.
وصرّحت صالحة أفريدي: “لا ننتظر حتى يتعرض الناس الأزمات؛” “إننا نعلمهم منذ البداية كيفية فهم أنفسهم والآخرين” (أفريدي، 2021).
أطلقت صالحة برنامج “الإسعافات الأولية النفسية في الإمارات”، وهو برنامج يهدف إلى تمكين الأفراد من التعرف على علامات الضيق النفسي وتقديم الدعم والإرشاد المناسبين. يساهم البرنامج في تمكين المجتمعات من دعم بعضها البعض قبل تفاقم المشكلات.
تقود الدكتورة صالحة أفريدي حملات توعية عامة، وتشارك بانتظام في وسائل الإعلام، وتصمم برامج للصحة النفسية في المدارس وأماكن العمل. ومن خلال التعليم والظهور الإعلامي والتركيز على الوقاية، تعمل صالحة على جعل العلاج النفسي والذكاء العاطفي واقعًا مألوفًا وطبيعيًا.
تبني الدكتورة صالحة الوعي العاطفي على مستوى المجتمع، جامعًة بين خبرتها السريرية وفهمها العميق للثقافة، ومسترشدة بإيمان راسخ بأن الرفاه النفسي هو الأساس لصحة المجتمع وسلامته.
هؤلاء النساء الثلاث لا ينتظرن التغيير، بل يصنعنه بأيديهن. خولة ولمى وصالحة لا يقتصر عملهن على تحسين الوصول إلى الرعاية فحسب، بل يعيدن تشكيل الحوار بأكمله حول الصحة النفسية. يحققن ذلك من خلال التكنولوجيا، العلم، والمعرفة. والأهم من ذلك، بفهم واسع لاحتياجات المنطقة بأسرها. في نهاية المطاف، يزرعن الأمل. أمل بأن تُؤخذ الصحة النفسية على محمل الجد، أمل بأن يجد الناس الدعم دون خوف، أمل بأن يكون للتعافي، بكل أشكاله، مكان بيننا أيضًا.